بوق الموت (مريم)..!

2010/04/06





التدوينة الخامسة
بوق الموت (مريم)


اغرورقت عيناها وهي تتحدث عن صبر ابنتها.

خالتي فاطمة امرأة في الأربعينيات من عمرها، وبدأت أحافير الزمان تأخذ سيرها على محياها.

ابنتها مريم ذات الإثنتين وعشرون سنة تصارع الموت وبينها وبين شفير القبر سوى أشهر معدودة كما يقول الأطباء.

وبحكم أنني أقرب الأشخاص لخالتي من الذكور بعد أن توفي زوجها قبل أربع سنوات. أوصلتها مع والدتي إلى المستشفى وأختي هي المرافقة لمريم منذ البارحة.

سلّمت على مريم من خلف الستار ودعوت لها بالشفاء.

لم يخبرها أحدا عن مرضها الذي بدأ ينهش جسدها وعزى الكثيرون سبب اصابتها بهذا الداء من عينٍ أصابتها.

جلستُ في صالة الإنتظار منتظرا خروج أمي وأختي، وبالصدفة قابلتُ أحد أساتذتي الذين درست على أيديهم في المرحلة الإبتدائية ليلمزني ممازحا من شكلي الكمثراوي ومظهري الأقرب لفرس نهر! كما عهدته تماما مازال مرحا.!


دارت بنا الأحاديث إلى أن رويت له عن ابنة خالتي. دعا لها بالشفاء وأعلن استعداده بمساعدتي إذا أردنا معالجتها في الخارج لخبرته التي اكتسبها من جرّاء مرافقته لوالده.

خرجَت والدتي وأختي وبقيت خالتي عند ابنتها لترافقها الليلة. سألتُ أختي عن حالها ولم يكن منها إلا أن أعطتني الدموع جوابًا.!
كانت مريم أعز الناس وأوفى الخلق لأختي لأتفهم بكائها دون أن أهدّي من نحيبها الخجول.

حرص الجميع على أن يدلوا بدلوهم في الصمت عن مرضها، إلى أن أتت إحدى صديقاتها المقرّبات بعد أن استدعتها أختي لتمهد لنا الطريق ونبلغها بمرضها.

تقول أختي:
دقّيت على بدور صديقة مريم وفهّمتها موقفنا انّا محنا قادرين نوصلّها خبر مرضها وممكن تجيها صدمة وبدور انسانة مثقفة وصاحبة أسلوب وكلام جميل علشان كذا دقّيت عليها.

    - وكيف كانت حالتها بعد مادرت؟

    - تجيك السالفة.. بعد ما طلعت انت من بيت خالتي، دخلتْ بعدك بدور سلّمت علينا، ومريم ماهي مصدّقة زيارة صديقتها وقعدت ترحب فيها وكأنها ملاك نزلت لزيارتها. أنا ما قدرت أتحمّل وتركتهم على اني اتصل فيك نزّلت لي دمعتين ورجعت لهم! وبدور ماشاء الله عليها في قمة الهدوء وقعدت تتكلم عن الجامعة وعن صديقاتها وحبة حبة إلين ماجلست تتكلم عن مرض أخوها الّي توفى بمرض السرطان. طبعا حزنت على أخوها الّي توفى وعمره عشر سنوات، وكأنها ماتدري عن مرض مريم جلست تتمنى إنها لو تموت بهالمرض الي يقولون عنه الناس بالغلط إنه خبيث وإنها سمعت من شيخ ان الي يجيه هالمرض إما انه عقاب أو محبة من الله لعباده تنقيةً وتكفيرا لذنوبهم، وتكلمت عن محبة الله وعن الجنة وبصراحة حتى انّي أنا تمنّيت اني مكان مريم وأسبقها للجنة! وآخر شئ سألَتها وكأنّها ماتدري ويش سبب مرضها. ومريم قاعدة تقول إن الدكاترة قالولها إنهم شاكين في نوع المرض وماهم متأكدين لكنها تتوقع من كلام الممرضات انه ورم. تفاعلنا مع بدور وهي تشرح عن سبب أمراض الأورام إلين قالت لها إنها كلمت الدكتورة وصارحتها إن عندها ورم في الثدي ما استوعبت مريم كلام بدور في البداية. وبدور ولا كأنها قالت شئ وقعدت تمزح معها بإنها بتجيب ولدها وتتركه عندها علشان يقلّب دماغها ويغثّها كل نص ساعة أبي أروح أسوي بّيبّي!
ضحكت مريم وهي ادّافع عن ولد بدور: ياحلوه مجّودي المهم مايسوّي لنا مشاكل مع الوالدة، الاّ ورم الثدي هو مثل باقي الأورام يوصّل للموت.؟
ردّت عليها بدور بأن هالورم يقدرون يستأصلوه قبل ما يكبر والورم الي عندها باقي في مراحله الأولى ومع العلاج بيروح. أنا عن نفسي ولا كأني سمعت عن هالورم أبدا وجلستْ أسأل بدور عن هالورم وعن أسباب اصابته وأضراره؟ بس ماشاء الله عليها كانت مثقفة بكل معنى الكلمة تصدّق نشرت ثلاث روايات.!

     - ماشاء الله عليها.. ومريم كيف حالتها النفسية؟
     - نص ونص لكن تحاول إنها تصبّر نفسها.!
     - عطيتيها الآي بود.؟
     - ايه وتسلّم عليك وتقول الله يجزاك خير ولايحرمك الأجر وانها مبسوطة وكأنّك تعرف انها تحب صوت الشيخ ماهر المعيقلي.


مضى الشهر الأول ليقرر الأطباء استئصال الثدي الأيمن لمريم وهو ما كان.
ظن الأطباء أنهم تغلبوا على الورم، ولكن وكأنه تعمّد أن يعلن الحرب عليهم لتبدأ شراسته ليرتد وتمتد عداوته لأعضاء جسدها الداخلية عن طريق الغدد اللمفاوية وثانويات الكبد.

حزنتُ جدا بعد أن أعلمني الأطباء بأنها بحاجة إلى جلسات جراحية واشعاعية وأيضا كيماوية وأيضا هرمونية!

اتصلتُ على أستاذي لأبلغه بأننا بصدد نقلها إلى الخارج. ليدلني إلى أحد المستشفيات في ألمانيا.

ألمانيا وبالأخص برلين لن أنساها ماحييت.!

كانت شهرين فقط هي مدة علاجها في ذلك المستشفى ليعلن الأطباء وفاتها.!
عادت جنازتها إلى أرض الوطن. لتدفن قبل والدتها بستة أشهر!

والدتها لحقت بها حزنا بعد أن روت لي صبر ابنتها ودعائها بأن تكون ممن يحبهم الله ليدخلها الجنة.

 الدموع هي كل ما أراه عندما أتذكّرها وأقرأ وصيتها لربها :

-----------------------

إلهي..
خالقي..
سبحانك ما كان الجزع والنوح صفة من صفاتي
إلهي..
تعلم ضعفي وصبري على نوائب الدنيا
إلهي..
أسألك بكل اسم هو لك
بأن تلحقني بوالدي وتجعل الجنة مأواي
إلهي وخالقي..
أعنّي وخفّف عنّي مصابي
إلهي..
أدم الصحة والعافية على كل من ذكرني بخير..واغفر لمن أساء الي
إلهي..
ارحمني برحمتك
---------------------------------------

نسأل الإله أن يرحمها ووالدها والدتها وأن يجعل الفردوس مأواهم.

هناك تعليقان (2) :

Tamer Nabil Moussa يقول...

السلام عليكم

اة من الامراض وتوابعها

ربنا يحفظ الناس منها يارب

ربنا يوفقك ويكرمك

مع خالص تحياتى

محمد متنبك يقول...

أستاذ تامر..
أهلا بك

نحمده سبحانه على معافاته لنا من هذه الأمراض.
ونسأله سبحانه بأن يشفي من ابتلي بها.

أشكر مرورك الكريم..