أقنعة من نار..!

2012/05/03





سبعون عاما عمر طويل.. أليس كذلك؟

هذا ماشعرت به حينما أغمضت جفن عيني، لأعرف أخيرا ما معنى أن تشيخ وأنت شاب..!

ذلك الإختبار الرهيب الذي مررت به جعلني أقدّر معنى الحياة ومعنى ان تكون شابا تمارس حياتك الطبيعية أو طفلا تلعب وتعيش طفولتك ببراءه، أو كهلا تربّي أبنائك وتفخر بهم أمام الجميع، أو شيخا طاعنا في السن تعمل لآخرتك كما يقول الكثيرون..!

سريعا فتحت عيني فلم يسعني أن أتحمل تلك المشاهد.

سقطت قطرات العرق من جبيني، وكأن فوق رأسي كوب من الماء أخاف أن يسقط وينكسر، ذلك ماخيّل إلي.

اللعنة.. لن أكرر ماحييت ذاك الإختبار حتى لا أفقد عقلي وأجن حقيقة.

منذ أن وطأت قدمي هذه البلاد الغريبة الأطوار وأنا أعيش في جنون وريبة. إن تبسمت في وجه أحدهم رفع ضدك قضية وإن ساعدته رفع ضدك قضية وإن ضربته رفع ضدك قضية وإن قتلته رفعوا ضدك قضية. عليهم اللعنة!

طلب مني الطبيب سريعا أن أشرب من العصير الذي على المنضدة. قمت مترنحا وكأن بي سكرة..!
ساعدني الطبيب بعدما كدت أن أسقط. اندهش كثيرا وقالها صريحة: أنت خيالي كثيرا كثيرا، ماقصتك؟

أجلسني على الكرسي وأنا الذي ظننت حالي "أعتى رجل في العالم".
- لاشيء يادكتور فقط لم أتناول إفطاري والحبوب الموصوفة لي.
- ولكن الكشف الطبي أظهر أنك بخير قبل دخولك هنا. ماحكايتك!

صمتّ برهة ولم أستطع أن أكتم ما بداخلي: يادكتور هل حقيقة أننا متصلون مع بعضنا البعض؟
لم يفهم سؤالي ولم يرد علي منتظرا مواصلة حديثي.

- الحقيقة يا دكتور أنني أعاني كثيرا من تغيير الأقنعة ففي كل مرة أجالس فيها أحدهم أتقمص قناعا يناسبه وأتحدث بأسلوبه هو لا بأسلوبي...

قاطعني: وهل هذا شيء جيد؟
جاوبته: في بعض الأحيان. ولكني لا أعرف ما هي شخصيتي الحقيقية وأي الأقنعة يلزمني إرتداؤه!
- وهل أنت موقن بأن جميع البشر لديهم شخصية واحدة أو كما تقول أنت قناع واحد؟
- لا.. ولكنني أشمئز من تعدد الأقنعة وتلك الإفرازات التي تنتجها حينما تبدل قناعا بآخر.

وكأن حديثي لم يناسبه تهرّب منّي وبطريقة ساخرة ظنا منه أنها طريفة:
- لا عليك سوف أصف لك دواءا يساعدك في معرفة شخصيتك وشخصية من حولك.
- لا أريد أدوية من التي تعالج الجسد أريد دواءا روحيا.!
- وهذا ماسوف أصفه لك.

نظرت إلى الوصفة وبسجلي الحافل مع تلك المصحّات عرفت ماوصفه لي. شكرته سريعا وخرجت.

مزّقت تلك الوصفة أثناء وقوفي خارج عيادة الطبيب وأنا أنظر إلى تلك الغيوم التي غطّت السماء.

لفت انتباهي ذلك المقهى الذي يقبع هناك في آخر الشارع لأتجه نحوه.

طلبت قهوتي وجلست أنظر إلى المارة وإلى الذين يجلسون حولي. أيقنت حينها أنه لن يخرجني مما أنا فيه غير الكتب التي هجرتها منذ بضع سنين.

قمت إلى مكتبة المقهى وأخذت رواية للتو أرجعها أحدهم إلى الرف.

عدت إلى مكاني وأنا أصارع نفسي في أن أطلب كعكة لأعيد أيام مامضى حينما كنت أضع السنكرس وشوكولاتة كيندر وبعضا من المكسرات مع قارورة بيبسي عائلية بجوار مكتبي. اللعنة على تلك النفس الأمارة بالسوء.!
لم تكن تلك الرواية التي أرجعها سوى رواية قوطية قد امتلأت بسفك الدماء. عليه اللعنة ألم يجد رواية أخرى أكثر رومانسية من هذه!

قرأت حوالي الأربعين صفحة خلال جلستي تلك وأخيرا بدأت أنتبه لما حولي بعدما سمعت ولأول مرة منذ أسابيع جملة عربية. وللغرابة لم تكن تلك الجملة إلا أجمل وأحلى وألطف جملة قد سمعتها في حياتي كلها منذ أن دخلت المدرسة وحتى دخولي الجامعة " إنت ما تفهم".!!

بحثت سريعا عن مصدر تلك الجملة ولم يكن إلا أب خليجي يوبّخ ابنه بعدما طلب مشروبا غازيا.!!!

آآآخ ياعرب.
إلبسوا أقنعة لاتمسها النار..!

نسيت تماما أين أنا وأنا أسأل نفسي وأستنتج استنتاجات لعينة كصاحبها:
هل لو قتلت أحدهم في بلادي وأعطاني والده مبلغا من المال لكي أتم نصف ديني هل سيقتدي به كل من قتل ولده.؟
هل لو وبّخت ابني على عمل عمله ولطمني هل سأدعه يعيش في بيتي؟
هل لو كنت شخصا ذو جسد مفتول العضلات هل سأتجرأ وأقول الحق على من ظلمني؟
هل لو جلس أحدهم في مكاني في الطائرة هل سأقف على رأسه حتى يقوم أم أفجّر رأسه بدلا من الإنتظار؟
هل لو سلمت أو ضحكت في وجه أحدهم سيرفع دعوة ضدي متهما إياي بالتحرش؟
هل...
هل...
هل...
أسئلة كثيرة عصفت برأسي.
نظرت كثيرا إلى تلك الرواية التي بين يدي وتلك الدماء التي تتفجر وتتبخر في داخلها.
وبدون مقدمات توجهت سريعا نحو ذلك الخليجي السمين الدب الغبي.! ودون أن أرى ما أمامي صفعته بكل ما أوتيت من قوة بعد أن أزعجني زعيقه على ابنه المسكين الذي ظل واقفا مطأطأ رأسه وهو يسبه ويشتمه.

وأخيرا تعاركت مع أحدهم في حياتي هذه الكئيبة وأخيرا أضفت إليها نوعا من الإثارة.
عوضته بمبلغ كبير من المال ذلك الدب الجشع وقسمي له لألعننه سبعين مرة في اليوم إلى آخر يوم من حياتي.!

ما ألعن الغربة وأقنعة النار؟؟.