في عالمهم: ملكة الألماس1 !!

2011/02/12




صافحتني عيناها من ذاك الشباك بعد أن رفعت رأسي لأنظر إلى السماء وإن كنت دائما لا أبعد ناظري عن حذائي الفنتازيّ الذي نطق أخيرا ليلعنني ويلعن يدي بعد أن تفلطح وتقطع! حذائي الملطخ بجرائم لن تستطيع مواقع ويكيليكس من حصرها.. كم أحبك!
لم تكن عيناها كأعين فتيات المجمعات ولا فتيات المستوصفات الخاصة ولا معلمات المدرسة التي بجانب بيتي، دائرة شديدة البياض تليها دائرة سوداء وكأنها قطع من ليلة الدلماء ودائرة أخرى تزيد انغلاقا وانفتاحا وكأنها تعبر عن قلبها بتلك الحركة اللاإرداية. ما كانت لعينيها لتصافح عيناي لو لم أضق ذرعا من النفس القذرة التي تجري في عروقي وتنتهز لحظات الغضب لتلعب وتلهو كما يحلو لها، وقفت أنظر إليها ودون أدنى حياء منها أشارت بيدها مسلّمة.!
ليأتي ضميري مسرعا: اغضض البصر يا(زفت)!

بدلا من أن يكون العكس وأبتدي أنا ذلك اللقاء السريع وأسلم عليها ليتفجر قلبها من الخفقان بدأ قلبي في الخفقان والعرق، كأنك فتحت مساماته بمضخة توربينية ليخرج تلك الرائحة العفنة من ابطيّ. (اللعنة عليك يارجل)!
خجلت من نفسي وعدت ببصري الى حذائي لأكمل طريقي إلى بيتي ونفسي وضميري تتقاتلان داخلي:
- لو ابتسمت لها أو على الأقل رفعت يدك لترد عليها ولو تتعمد مثلا لتتعثر وتسقط متظاهرا لتأتيك مسرعة ولو... ولو...
- أما تخجل من نفسك تنظر إلى بنات الناس أما تستحي هل ترضا ذلك لأهلك هل... هل...

اللعنة.. انتصرت تلك القذرة على ضميري وبدأت تطبق على صوته وترفع من صوتها:
- لو أعود مرة ثانية من ذلك الطريق وكأنني فقدت شيئا لا لا فكرة (قديمة وساذجة) راقبها أولا وتعرف عليها من بعيد أفضل وآمن امممم لا لا كن جريئا وكن مثلها...

وصلت بيتي وقد رسمت عدة سيناريوهات ومشاهد درامية وفنتازيّة في مخيلتي. فرشت زوجتي سفرة الطعام وجلست وأنا مازلت تائها بين أي سيناريو أختار، همست زوجتي بعد أن تملّقت لدقائق في وجهي:
- ويش فيك من وقت ماجيت من السوق ولا حرف واحد نطقته.. سلامات ويش فيك؟

أعادت سؤالها بعد أن عاد صوابي إلي. لأجيبها:
- أبد مافي شئ... ما أدري تؤمنين بمقولة الأرواح جنود مجندة؟
- ايه.
- شفت اليوم واحد وكأني قد شفته من زمان وأنا متأكد بأن هذه أول مرة أشوفه فيها!
- كيف تشوفه وماتشوفه.. مافهمت شي!
- ماقد مرت عليك مواقف وكأنك شفتيها قبل كذا؟
- كثيرة.
- وهذا الي صار معي اليوم حتى أنه أشّر بيده لي وكأنه يعرفني من زمان!
- وويش سويت أنت؟
- نزلت عيني لشبشبي ورجعت لهنا.

بدت زوجتي مندهشة من سلوكي:
- وبس ومارديت عليه ولو بتأشيرة واحدة!
- أبد وكمان قلبي بغى ينفجر وهو يدق.
- ووين ساكن.؟
- كان رايح لسيارته ووقف يناظرني وبعدها أشّر بيده مسلّم.

نطقت القذرة التي بين أضلعي محدثة نفسها: آآخ لو تعلم أنها فتاة قسما لترميك للقطط والكلاب الضالة.

تمدت على فراشي لآخذ قيلولتي وما إن أغمضت عيني حتى رأيت تلك الفتاة وفي يدها ساطورا يقطر دما!
فزعت وقمت مفجوعا إلى الصالة حيث زوجتي تجلس وهي المرة الأولى التي أعمد أن أجلس في الصالة دون أن آخذ قيلولة ولو لدقائق.

نظرت زوجتي إلي بعينٍ متعجبة أو بالأحرى مصدومة: ويش فيك مانمت؟
- شاغلني هالموضوع.. ممكن سؤال؟
- ومن متى تستأذن في الأسئلة؟
- لا العفو بس قلت بما إنك أكبر مني فكرا وعقلا وحكمة حبّيت أستأذن! أقول ممكن سؤال؟
- تفضل يافيلسوف ومفكر زمانك!
- على طاري الفلسفة تسمحين لي أتفلسف شوي؟
وبضحكة ماكرة منها وبعد أن أخفضت صوت التلفاز: ومن متى تعرف الفلسفة عقلك هذا المصدّي المليان غبار وصدأ.. على العموم ما أبي أكون قاسية عليك ياروحي لكن هذي الحقيقة؟
- تسلمين ياقلبي.. بس سؤالي قاسي شوي وانتي مرة(امرأة) عاقلة وفاهمة.. صح؟
- لا أنا مجنونة وملفي يشهد لي.. صح؟
- لا العفو ياعمري.. الي أقصده ان سؤالي مستفز شوي وما أتوقع راح تفسرينه صح، علشان كذا ابي أهيئك نفسيا لهالسؤال، صح انه قاسي لكن من زمان وهو في عقلي.

بعد ان احمرّت عيناها فضولا وخوفا أيضا: نشّفت ريقي ويش سؤالك؟
- هو بصراحة سؤال...
قاطعتني بصرامة: يابن الحلال خلصنا ماحنا أطفال ومراهقين اخلص علينا!
- طيب.. لو ولنفترض لو.. اني اختفيت عنك فترة بتسألين عني؟
- أنا أبيها من الله فكّة منك.. وغاثني من اليوم سؤال قاسي سؤال قوي سؤال نفسي!
- يعني أروح مع زوجتي الثانية عادي؟
وكأن ماءً مثلجا سكبته على جسدها لتنتفض انتفاضة من لدغته عقربا.. لتنطق متلعثمة: زوزوجتي الثانية وبكل وقاحة تقولي زوجتك الثانية والله لأذبحك وإيها يا... يا...
وبضحكة عالية منّي لأطفئ موجة غضبها العارمة: لهالدرجة تحبيني؟
- ويش قصدك يعني.. تختبرني يعني؟
- عالعموم حبيت أتأكد وين مكان غلاتي عندك لو صار فيني شي لا سمح الله!
- مكان غلاتك تحت الجزمة يانذل.. تبي تموتني وتفتك مني صح.. أنا ماهمني لو تآخذ لك عشر مايهمني!
وبجدّية هذه المرة بعد أن تذكرت حذائي: أنا أعتذر منك ياروحي وانتي عارفه غلاتك بهالقلب.
وبعد أن هدأت وسكنت ملامحها الملائكية: أتمنى منك ياغلاي ماتستفزني كذا مرة ثانية وانت عارف غلاتك بدون ما أطلع الي جوّاي وإلا عندك كلام ثاني؟
- تبين الصدق ياعيوني أنا من وقت ما شفت هذاك الرجّال وأنا ماني على بعضي.. أحس إن هالإنسان ماوراه شي يبشر بالخير.!
- أنا بصراحة ماني مصدقة!! أول مرة أشوفك بهالتشاؤم.. أذكر الله يارجّال وخل عنك هالوساوس.
- السبب الي ماخلاّني آخذ لي قيلولة هو نفس الإنسان الي شفته اليوم!
- معقولة انت يا المفكر الكبير يشغلك موضوع مثل هذا أكيد في شيء أكبر من عقلي هالمرّة.!
- ما أدري بس هذه أول مرة أهتم لإنسان لها الدرجة.. أعوذ بالله منه إن كان من وراه مصائب.

رفعت قدميها على الأريكة وتقرفصت حول نفسها وبعد أن رفعت حاجبيها: طيب ممكن توصفه لي؟
وكأنها صفعتني: هاه وإنتي ناقصة لفيلم رعب أوصف ممثلينه. وفي داخلي(والمخرج الي مامثله إلا الملاك مثل هذه ماتنوصف)
- طيب اوصفه يمكن أقدر أساعدك.. وما دام إنك دخلتني معك في تفكيرك خلني معك أفكر كمان!
- إحنا الحين مايهمنا الشكل بقدر مايهمنا هالموضوع بحد ذاته، كيف عرفني ومد يده وكأنه قاصدني ويعرفني من زمان الزمان.
- يمكن هالشخص يعرفك من النت وإلا يمكن أحد عرّفه عليك.!
- طيب أوكي.. لكن ليش حسيت إني أعرفه من زمان.؟
حملقت بناظريها للأعلى بحيرة:
- ما أدري بس ماني فاهمه شي للحين.!
- وأنا برضوه ماهضمت هالموضوع مشتتني وبقوة بعد.
- طيب خلني أقوم أسوّي قهوة وأجي نحلل الموضوع ونبحث عنه في هالمكتبة الي ما أكبر منها الا الكونجرس.

تبسّمت لها مارقا استهزائها. لأعود إلى ذاك الشباك وذلك الوجه القمري لأقرر أن أؤدي سيناريو الطريق الطويل!
كنت مستمتعا بتحليلات زوجتي ومجاراتي لها في بعض الأفكار حتى أنني أيقنت أننا سنخوض معركة كبرى مع الخيال والعقل الباطن وعملية التخاطر التي حيرت العلماء العمالقة، لم ندع موضوعا ولا مصطلحا يخطر على بالنا إلا وحللناه ومدى تعمق فكرته في موضوعنا.
لم تدري المسكينة أنني قد اخترت السيناريو منذ عودتها بالقهوة!

** أحداث سريعة جدا جدا...!

خرجت في العصر لأقضي حوائجي وتعمدت لأن أعود من ذلك الطريق لأرى تلك القمرية ولكن حذائي هذه المرة حال بيني وبينه مقود السيارة. وبصري أطلقت له العنان ليتفحص المبنى الذي تقطنه تلك القمرية وكأن شيئا هلاميا دخل داخلي حتى جعلني أنتفض وأقبض بكل قوة على مقود سيارتي لأقف جانبا وأنزلني رغما عني لأدخل المبنى وأنا أصارع نفسي وصوتا مدويا في داخلي يقارب البكاء يقول: اتبعني!

في غرفة بيضاء مكتوم على نفسي داخلها بالكاد أتنفس تجولت ببصري باحثا عن لون آخر ولو نقطة صغيرة مخالفة لهذا اللون. صرخت وبكيت ولكن لاشيء غير صدى صوتي يرتد لمسمعي في داخلي. حتى أتى صرير باب كبير فتح على مصراعيه ببطء شديد، محملقا وبصري يكاد يخرج من مقلتيه منتظرا مايخفيه هذا السواد الضخم في داخله.

خرج أسدان ضخمان وجلسا أمام الباب وبينهما مثل الممر الصغير يسع لشخصان.
زأر الأسدان حتى كاد قلبي ينفجر، وما إن هدأ زئيرهما حتى أعاداه مرة أخرى. كدت أجن من زئيرهما ولم أملك سوى البكاء لأخرج خوفي من جوفي وعرفانا لهما بأن صوتهما مرعب حد الموت.
أتت ضحكتها الساخرة بصداها المشمئز؛ لأن أحاول أن أكظم بكائي وخوفي المستبد داخل أوصالي، وانتظاري لخروجها وفضولي العجيب لأعرف من هي هذه التي تستمتع ببكائي.

خرجت وفوق رأسها تاج أبيض مليء بالجواهر وفستان أبيض ووجه ملائكي وخدين محمرين من الضحك، تقدمت نحوي وأنا مثل دمية ساكنة في مكانها لاأقوى الحراك او التعبير من هول ما أراه.
لتنطق بصوت ملائكي: تعال معي.

حاولت أن أقوم ولكن قدماي لم تسعفاني فتخاذلت وسقطت لأكسر يدي. وبفرقعة خفيفة منها خرجت امرأتان لم أرى في حياتي مثل جمالهن.
أسندتاني حتى وقفت وعقلي مازال يصارع الجنون والظلام: أين أنا وماهذا المكان ومن هؤلاء ...؟
وبصوت صارم مثل الرعد: يكفي أخرج منه.

خرج مثل الماء من بين أصابع قدمي واتجه في زاوية من الغرفة ليتشكل كائن عملاق من ذاك الشيء الهلامي ليصدع صوته بعد انحناءة منه: بأمرك يا مولاتي
مدت يدها الي وهي تقول: تعال معي.
دخلت الملكة إلى الظلام وهي تقول: اتبعني.
بالكاد استطعت أن أمشي ما إن اقتربت من الأسدين حتى تكلم أحدهما باستهزاء: جبان!
حملقت فيه مدهوشا ودمعي يتراقص منتظرا الأمر بالإنهمار. صعدت الأربع درجات بمساعدة الخادمتين الحسناوتين لأدخل إلى الظلام.

------------------------------------------------------------------
قريبا الفصل الثاني

ليست هناك تعليقات :